Palestine Blogs - The Gazette

ضوء

لا يصدر منك

ظلام اخر


who is MOHAMMED



خربش هنا


رشحني في دليل العرب الشامل



صورتي
الاسم:
الموقع: غزة, فلسطين, Palestine








بعد استشهاد عائلته بالحرب- محمد: لا يمكنني التصور ...

الحق على الطفل

معقول .....محكمة عوفر الاسرائيلية تقرر ابعاد طفل ع...

الطفل محمود.. جسد مشلول في غزة بلا امل و بلا دواء

بابا بابا!!!!!!

ناشطة سلام يهودية تعلن إسلامها عقب سجنها عامين في ...

عملية جراحية ناجحة لهنية عباس..هل تكون سببا في تحق...

اتعرفون من هذا ...؟؟؟؟

صورة بالف كلمة

LOCATION VIEW UPDATED HOURLYCURRENT VIDEOParis, Fr...






ديسمبر 2006 يناير 2007 فبراير 2007 أبريل 2007 مايو 2007 يوليو 2007 أغسطس 2007 سبتمبر 2007 أكتوبر 2007 نوفمبر 2007 ديسمبر 2007 يناير 2008 فبراير 2008 مارس 2008 أبريل 2008 مايو 2008 يونيو 2008 يوليو 2008 أغسطس 2008 سبتمبر 2008 نوفمبر 2008 ديسمبر 2008 يناير 2009 مارس 2009 أبريل 2009 مايو 2009 يونيو 2009 يوليو 2009 أغسطس 2009 سبتمبر 2009 أكتوبر 2009 نوفمبر 2009 ديسمبر 2009 يناير 2010 فبراير 2010 مارس 2010 أبريل 2010 مايو 2010 يونيو 2010 أغسطس 2010 سبتمبر 2010 أكتوبر 2010 يناير 2012




وكالة معا
وكالة فلسطين برس
وكالة فلسطين الان
المجموعة الفلسطينية للاعلام
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
شبكة فلسطين اليوم
Blogger
Google


حفار القبور
موسوعة كتب التخدير
مدونة علا من غزة
مدونات عربية
شمعة من أجل غزة
نسرين قلب الاسد
مؤسسة دكاكين
Google



جريدة القدس

جريدة الحياة الجديدة

جريدة الاهرام

صحيفة فلسطين

جريدة الايام


الأقصى


 



<$BlogDateHeaderDate$>
سلــسلة شــــــهيد من فلسطين 1

الشهيد غسان كنفاني


ولد الشهيد غسان كنفاني عام 1936 في مدينة عكا بفلسطين॥وهو عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين॥عرفته جماهيرنا صحفياً تقدمياً جريئاً، دخل السجن نتيجة جرأته في الدفاع عن القضايا الوطنية أكثر من مرة
نشأته وحياته والده:
خرج أبوه من أسرة عادية من أسر عكا وكان الأكبر لعدد غير قليل من الأشقاء، وبما أن والده لم يكن مقتنعاً بجدوى الدراسات العليا فقد أراد لابنه أن يكون تاجراً أو كاتباً أو متعاطياً لأي مهنة عادية ولكن طموح الابن أبي عليه إلا أن يتابع دراسته العالية فالتحق بمعهد الحقوق بالقدس في ظروف غير عادية।صفر اليدين من النقود وحتى من التشجيع فما كان عليه إلا أن يتكل علي جهده الشخصي لتأمين حياته ودراسته فكان تارة ينسخ المحاضرات لزملائه وتارة يبيع الزيت الذى يرسله له والده ويشترى بدل ذلك بعض الكاز والمأكل، ويشارك بعض الأسر في مسكنها، إلى أن تخرج كمحام।وعاد إلي عكا ليتزوج من أسرة ميسورة ومعروفة ويشد رحاله للعمل في مدينة يافا حيث مجال العمل أرحب وليبني مستقبله هناك। وكافح هناك وزوجته إلى جانبه تشد أزره وتشاركه فى السراء والضراء ونجح وكان يترافع فى قضايا معظمها وطني خاصة أثناء ثورات فلسطين واعتقل مرارا كانت إحداها بإيعاز من الوكالة اليهودية।وكان من عادة هذا الشاب تدوين مذكراته يوماً بيوم وكانت هذه هى أعز ما يحتفظ به من متاع الحياة وينقلها معه حيثما حل أو ارتحل، وكثيراً ما كان يعود إليها ليقرأ لنا بعضها ونحن نستمتع بالاستماع الى ذكريات كفاحه، فقد كان فريدا بين أبناء جيله، وكان هذا الرجل العصامي ذو الآراء المتميزة مثلاً لنا يحتذي.هذا هو والد غسان كنفاني الذى كان له بدون شك أثر كبير فى حياة ثالث أبنائه غسان.
غسان الطفل:
هو الوحيد بين أشقائه ولد في عكا، فقد كان من عادة أسرته قضاء فترات الأجازة والأعياد فى عكا، ويروى عن ولادته أن أمه حين جاءها المخاض لم تستطع أن تصل إلى سريرها قبل أن تضع وليدها وكاد الوليد يختنق بسبب ذلك وحدث هذا فى التاسع من نيسان عام 1936.كان من نصيب غسان الالتحاق بمدرسة الفرير بيافا وكنا نحسده لأنه يدرس اللغة الفرنسية زيادة عما ندرسه نحن.ولم تستمر دراسته الابتدائية هذه سوى بضع سنوات.فقد كانت أسرته تعيش في حي المنشية بيافا وهو الحي الملاصق لتل أبيب وقد شهد أولى حوادث الاحتكاك بين العرب واليهود التى بدأت هناك إثر قرار تقسيم فلسطين.لذلك فقد حمل الوالد زوجته وأبناءه وأتي بهم إلي عكا وعاد هو إلى يافا، أقامت العائلة هناك من تشرين عام 47 إلى أن كانت إحدى ليالي أواخر نيسان 1948 حين جري الهجوم الأول على مدينة عكا.بقي المهاجرون خارج عكا على تل الفخار (تل نابليون) وخرج المناضلون يدافعون عن مدينتهم ووقف رجال الأسرة أمام بيت جدنا الواقع في أطراف البلد وكل يحمل ما تيسر له من سلاح وذلك للدفاع عن النساء والأطفال إذا اقتضى الأمر.ومما يذكر هنا أن بعض ضباط جيش الإنقاذ كانوا يقفون معنا وكنا نقدم لهم القهوة تباعا علما بان فرقتهم بقيادة أديب الشيشكلي كانت ترابط في أطراف بلدتنا.وكانت تتردد على الأفواه قصص مجازر دير ياسين ويافا وحيفا التي لجأ أهلها إلى عكا وكانت الصور ما تزار ماثلة فى الأذهان.فى هذا الجو كان غسان يجلس هادئاً كعادته ليستمع ويراقب ما يجري.استمرت الاشتباكات منذ المساء حتى الفجر وفي الصباح كانت معظم الأسر تغادر المدينة وكانت أسرة غسان ممن تيسر لهم المغادرة مع عديد من الأسر في سيارة شحن إلى لبنان فوصلوا إلى صيدا وبعد يومين من الانتظار استأجروا بيتاً قديما في بلدة الغازية قرب صيدا في أقصى البلدة علي سفح الجبل، استمرت العائلة في ذلك المنزل أربعين يوما في ظروف قاسية اذ أن والدهم لم يحمل معه إلا النذر اليسير من النقود فقد كان أنفقها فى بناء منزل في عكا وآخر في حي العجمي بيافا وهذا البناء لم يكن قد انتهي العمل فيه حين اضطروا للرحيل.من الغازية انتقلوا بالقطار مع آخرين إلى حلب ثم إلى الزبداني ثم إلى دمشق حيث استقر بهم المقام في منزل قديم من منازل دمشق وبدأت هناك مرحلة أخرى قاسية من مراحل حياة الأسرة.غسان فى طفولته كان يلفت النظر بهدوئه بين جميع إخوته وأقرانه ولكن كنا نكتشف دائماً أنه مشترك فى مشاكلهم ومهيأ لها دون أن يبدو عليه ذلك.




غسان اليافع:
فى دمشق شارك أسرته حياتها الصعبة، أبوه المحامي عمل أعمالاً بدائية بسيطة، أخته عملت بالتدريس، هو وأخوه صنعوا أكياس الورق، ثم عمالاً، ثم قاموا بكتابة الاستدعاءات أمام أبواب المحاكم وفي نفس الوقت الذي كان يتابع فيه دروسه الابتدائية.بعدها تحسنت أحوال الأسرة وافتتح أبوه مكتباً لممارسة المحاماة فأخذ هو إلى جانب دراسته يعمل في تصحيح البروفات في بعض الصحف وأحياناً التحرير واشترك فى برنامج فلسطين في الإذاعة السورية وبرنامج الطلبة وكان يكتب بعض الشعر والمسرحيات والمقطوعات الوجدانية.وكانت تشجعه على ذلك وتأخذ بيده شقيقته التى كان لها في هذه الفترة تأثير كبير علي حياته.وأثناء دراسته الثانوية برز تفوقه في الأدب العربي والرسم وعندما أنهى الثانوية عمل في التدريس في مدارس اللاجئين وبالذات فى مدرسة الاليانس بدمشق والتحق بجامعة دمشق لدراسة الأدب العربي وأسند إليه آنذاك تنظيم جناح فلسطين في معرض دمشق الدولي وكان معظم ما عرض فيه من جهد غسان الشخصي.وذلك بالإضافة إلى معارض الرسم الاخري التى أشرف عليها.وفي هذا الوقت كان قد انخرط في حركة القوميين العرب وأترك الكلام هنا وعن حياته السياسية لرفاقه ولكن ما أذكره انه كان يضطر أحيانا للبقاء لساعات متأخرة من الليل خارج منزله مما كان يسبب له إحراجا مع والده الذي كان يحرص علي إنهائه لدروسه الجامعية وأعرف أنه كان يحاول جهده للتوفيق بين عمله وبين إخلاصه ولرغبة والده.
قي أواخر عام 1955 التحق للتدريس في المعارف الكويتية وكانت شقيقته قد سبقته في ذلك بسنوات وكذلك شقيقه.وفترة إقامته في الكويت كانت المرحلة التى رافقت إقباله الشديد والذي يبدو غير معقول على القراءة وهى التى شحنت حياته الفكرية بدفقة كبيرة فكان يقرأ بنهم لا يصدق.كان يقول انه لا يذكر يوماً نام فيه دون أن ينهي قراءة كتاب كامل أو ما لا يقل عن ستماية صفحة وكان يقرأ ويستوعب بطريقة مدهشة.وهناك بدأ يحرر في إحدى صحف الكويت ويكتب تعليقا سياسياً بتوقيع "أبو العز" لفت إليه الأنظار بشكل كبير خاصة بعد أن كان زار العراق بعد الثورة العراقية عام 58 على عكس ما نشر بأنه عمل بالعراق.في الكويت كتب أيضاً أولي قصصه القصيرة "القميص المسروق" التى نال عليها الجائزة الأولي في مسابقة أدبية.ظهرت عليه بوادر مرض السكري فى الكويت أيضاً وكانت شقيقته قد أصيبت به من قبل وفي نفس السن المبكرة مما زاده ارتباطاً بها وبالتالي بابنتها الشهيدة لميس نجم التى ولدت في كانون الثاني عام 1955.فأخذ غسان يحضر للميس في كل عام مجموعة من أعماله الأدبية والفنية ويهديها لها وكانت هى شغوفة بخالها محبة له تعتز بهديته السنوية تفاخر بها أمام رفيقاتها ولم يتأخر غسان عن ذلك الا فى السنوات الأخيرة بسبب ضغط عمله.عام 1960 حضر غسان إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية كما هو معروف.
غسان الزوج:
بيروت كانت المجال الأرحب لعمل غسان وفرصته للقاء بالتيارات الأدبية والفكرية والسياسية.بدأ عمله في مجلة الحرية ثم أخذ بالإضافة إلى ذلك يكتب مقالاً أسبوعيا لجريدة "المحرر" البيروتية والتي كانت ما تزال تصدر أسبوعية صباح كل اثنين.لفت نشاطه ومقالاته الأنظار إليه كصحفي ومفكر وعامل جاد ونشيط للقضية الفلسطينية فكان مرجعاً لكثير من المهتمين.عام 1961 كان يعقد فى يوغوسلافيا مؤتمر طلابي اشتركت فيه فلسطين وكذلك كان هناك وفد دانمركي.كان بين أعضاء الوفد الدانمركي فتاة كانت متخصصة في تدريس الأطفال.قابلت هذه الفتاة الوفد الفلسطيني ولأول مرة سمعت عن القضية الفلسطينية.واهتمت الفتاة اثر ذلك بالقضية ورغبت فى الإطلاع عن كثب على المشكلة فشدت رحالها إلى البلاد العربية مرورا بدمشق ثم إلى بيروت حيث أوفدها أحدهم لمقابلة غسان كنفاني كمرجع للقضية وقام غسان بشرح الموضوع للفتاة وزار وإياها المخيمات وكانت هى شديدة التأثر بحماس غسان للقضية وكذلك بالظلم الواقع على هذا الشعب.ولم تمض على ذلك عشرة أيام إلا وكان غسان يطلب يدها للزواج وقام بتعريفها علي عائلته كما قامت هي بالكتابة إلى أهلها.وقد تم زواجهما بتاريخ 19 أكتوبر 1961ورزقا بفايز في 24/8/1962 وبليلي فى 12/11/1966.بعد أن تزوج غسان انتظمت حياته وخاصة الصحية اذ كثيراً ما كان مرضه يسبب له مضاعفات عديدة لعدم انتظام مواعيد طعامه.عندما تزوج غسان كان يسكن في شارع الحمراء ثم انتقل إلى حى المزرعة، ثم إلى مار تقلا أربع سنوات حين طلب منه المالك إخلاء شقته قام صهره بشراء شقته الحالية وقدمها له بإيجار معقول.وفي بيروت أصيب من مضاعفات السكري بالنقرس وهو مرض بالمفاصل يسبب آلاماً مبرحة تقعد المريض أياماً.ولكن كل ذلك لم يستطع يوماً أن يتحكم في نشاطه أو قدرته على العمل فقد كان طاقة لا توصف وكان يستغل كل لحظة من وقته دون كلل.وبرغم كل انهماكه في عمله وخاصة في الفترة الأخيرة إلا أن حق بيته وأولاده عليه كان مقدساً.كانت ساعات وجوده بين زوجته وأولاده من أسعد لحظات عمره وكان يقضى أيام عطلته (إذا تسنى له ذلك يعمل فى حديقة منزله ويضفي عليها وعلى منزله من ذوق الفنان ما يلفت النظر رغم تواضع قيمة موجوداته.

غسان القضية:
أدب غسان وإنتاجه الأدبي كان متفاعلا دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعا عاشه أو تأثر به. "عائد إلى حيفا"، عمل وصف فيه رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا؛ وقد وعي ذلك، وهو ما يزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع. ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد من تواتر الرواية."أرض البرتقال الحزين"، تحكى قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية. "موت سرير رقم 12"، استوحاها من مكوثه بالمستشفي بسبب المرض. "رجال في الشمس" من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت واثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، كانت المعاناة ووصفها هى تلك الصورة الظاهرية للأحداث أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين فى تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق.فى قصته "ما تبقي لكم"، التي تعتبر مكملة "لرجال في الشمس"، يكتشف البطل طريق القضية، في أرض فلسطين وكان ذلك تبشيراً بالعمل الفدائي.قصص "أم سعد" وقصصه الاخري كانت كلها مستوحاة من ناس حقيقيين. في فترة من الفترات كان يعد قصة ودراسة عن ثورة 36 في فلسطين فأخذ يجتمع إلى ناس المخيمات ويستمع إلى ذكرياتهم عن تلك الحقبة، والتي سبقتها والتي تلتها، وقد أعد هذه الدراسة لكنها لم تنشر (نشرت في مجلة شؤون فلسطين) أما القصة فلم يكتب لها أن تكتمل بل اكتمل منها فصول نشرت بعض صورها في كتابه "عن الرجال والبنادق".كانت لغسان عين الفنان النفاذة وحسه الشفاف المرهف فقد كانت في ذهنه في الفترة الأخيرة فكرة مكتملة لقصة رائعة استوحاها من مشاهدته لأحد العمال وهو يكسر الصخر فى كاراج البناية التى يسكنها وكان ينوى تسميتها "الرجل والصخر"
.
غسان الرائد:
تجب وضع دراسة مفصلة عن حياة غسان الأدبية والسياسية والصحفية ولكننا في هذه العجالة نكتفي بإيراد أمثلة عن ريادته بذكر بعض المواقف في حياته وعتها الذاكرة:كان غسان أول من كتب عن حياة أبناء الخليج المتخلفة ووصف حياتهم وصفاً دقيقا مذهلا وذلك في قصته "موت سرير رقم 12"، ولا أستطيع أن أؤكد إذا كان سواه قد كتب عن ذلك من بعده.فى أوائل ثورة الـ 58 بالعراق أيام حكم عبد الكريم قاسم زار غسان العراق ورأى بحسه الصادق انحراف النظام فعاد وكتب عن ذلك بتوقيع "أبو العز" مهاجما العراق فقامت قيامة الأنظمة المتحررة ضده إلى أن ظهر لهم انحراف الحكم فعلا فكانوا أول من هنأوه على ذلك مسجلين سبقه في كتاب خاص بذلك.بعد أن استلم رئاسة تحرير جريدة "المحرر" اليومية استحدث صفحة للتعليقات السياسية الجادة وكانت على ما أذكر الصفحة الخامسة وكان يحررها هو وآخرون.ومنذ سنة تقريبا استحدثت إحدى كبريات الصحف اليومية فى بيروت صفحة مماثلة وكتب من كتب وأحدهم أستاذ صحافة فى الجامعة الأميركية كتبوا في تقريظ هذه الصفحة وساءني أن يجهل حتى المختصون بالصحافة أن غسان قام بهذه التجربة منذ سنوات.لا أحد يجهل أن غسان كنفاني هو أول من كتب عن شعراء المقاومة ونشر لهم وتحدث عن أشعارهم وعن أزجالهم الشعبية فى الفترات الأولى لتعريف العالم العربي على شعر المقاومة، لم تخل مقالة كتبت عنهم من معلومات كتبها غسان وأصبحت محاضرته عنهم ومن ثم كتابه عن "شعراء الأرض المحتلة" مرجعا مقررا فى عدد من الجامعات وكذلك مرجعا للدارسين.الدراسة الوحيدة الجادة عن الأدب الصهيونى كانت لغسان ونشرتها مؤسسة الأبحاث بعنوان "في الأدب الصهيوني". أشهر الصحافيين العرب يكتب الآن عن حالة اللا سلم واللا حرب ولو عدنا قليلا إلى الأشهر التى تلت حرب حزيران 67 وتابعنا تعليقات غسان السياسية فى تلك الفترة لوجدناه يتحدث عن حالة اللا سلم واللا حرب أى قبل سنوات من الاكتشاف الأخير الذى تحدثت عنه الصحافة العربية والأجنبية.إننا نحتاج إلى وقت طويل قبل أن نستوعب الطاقات والمواهب التى كان يتمتع بها غسان كنفاني. هل نتحدث عن صداقاته ونقول أنه لم يكن له عدو شخصي ولا في أى وقت وأي ظرف أم نتحدث عن تواضعه وهو الرائد الذى لم يكن يهمه سوى الإخلاص لعمله وقضيته أم نتحدث عن تضحيته وعفة يده وهو الذى عرضت عليه الألوف والملايين ورفضها بينما كان يستدين العشرة ليرات من زملائه.ماذا نقول وقد خسرناه ونحن أشد ما نكون فى حاجة إليه، إلى إيمانه وإخلاصه واستمراره على مدى سنوات في الوقت الذى تساقط سواه كأوراق الخريف يأساً وقنوطا وقصر نفس.كان غسان شعباً في رجل، كان قضية، كان وطناً، ولا يمكن أن نستعيده إلا إذا استعدنا الوطن.

عمل فى الصحف والمجلات العربية التالية:
عضو في أسرة تحرير مجلة "الرأى" في دمشق.
عضو في أسرة تحرير مجلة "الحرية" فى بيروت
رئيس تحرير جريدة "المحرر" في بيروت.
رئيس تحرير "فلسطين" في جريدة المحرر.
رئيس تحرير ملحق "الأنوار" في بيروت.
صاحب ورئيس تحرير "الهدف" في بيروت.كما كان غسان كنفاني فنانا مرهف الحس، صمم العديد من ملصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما رسم العديد من اللوحات.من مؤلفات الشهيد: قصص

ومسرحيات:

موت سرير رقم 12.
أرض البرتقال الحزين.
رجال في الشمس - قصة فيلم "المخدوعون".
الباب (مسرحية).
عالم ليس لنا.
ما تبقى لكم (قصة فيلم السكين).
عن الرجال والبنادق.
أم سعد.
عائد إلي حيفا. بحوث أدبية: أدب المقامة في فلسطين المحتلة.الأدب العربي المقاوم في ظل الاحتلال.في

الأدب الصهيوني مؤلفات سياسية:
المقاومة الفلسطينية ومعضلاتها.
مجموعة كبيرة من الدراسات والمقالات التي تعالج جوانب معينة من تاريخ النضال الفلسطيني وحركة التحرر الوطني العربية (سياسياً وفكرياً وتنظيميا). استشهد صباح يوم السبت 8/7/1972 بعد أن انفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله مما أدي إلي استشهاده مع إبنة شقيقته لميس حسين نجم (17 سنة).
كتب عنه أخوه عدنان كنفاني غسّان كنفاني واحد من جيل \"ضاعت طفولته\" على بوّابات اللجوءها أنا ذا أفتح الصفحات الصفراء، أنثر ما فيها منذ الساعة السادسة والنصف من صباح يوم خميس التاسع من نيسان 1936 إطلالة غسّان الأولى على زيتون عكا॥ يومها حمل رقماً على شهادة ميلاده 2755، ربما أدرك يومها أن والده معتقل في سجن الصرفند..! لماذا؟ لأنه خرق مع صحبه نظام منع التجول المفروض على عكا، وحرّك مع صحبه أيضاً عبر قرع الطبول من فوق مئذنة جامع الجزّار، وصيحات الله أكبر الهادرة جماهير عكا والقرى المجاورة.. ما أن أفرج عنه حتى اعتقل مرة ثانية، هذه المرّة لدفاعه المتطّرف المجّاني بصفته محامياً منذ 1926 عن المعتقلين من الثوار في يافا.. ثم أفرج عنه بكفالة بشرط إثبات تواجده ثلاث مرات يومياً أمام الميجر هارنجتون الحاكم العسكري البريطاني। ولم تلبث السلطات أن اكتشفت أنه مع المحاميين أمين عقل وإبراهيم نجم قادة الثورة في يافا.. أصدرت بحقّهم مذكّرات اعتقال قد تؤدي إلى أحكام بالإعدام، لكنّهم تمكّنوا ثلاثتهم من الهرب، وتمّكن والدي من السفر إلى سوريا واللجوء إلى حماية المجاهد محمد الأشمر الذي تعامل معه من قبل ومن بعد بتوريد السلاح لتأمين استمرار الثورتين.. هكذا كان المناخ.. وفي هذا الزخم درجت خطا غسّان الأولى..وما أن أتّم عامه الثاني حتى أدخل إلى روضة الأستاذ وديع سرّي في يافا حيث أبتدأ بتعلّم اللغة الإنكليزية والفرنسية إلى جانب اللغة العربية ثم إلى مدرسة الفرير واستمر فيها حتى عام 1948..كتب والدي رحمه الله في مذكّراته بما يتعلّق بغسّان ملخّصاً اقتطف منه: ـ غسّان طفل هادئ يحب أن يكون وحده في غالب الأوقات. مجتهد ويميل إلى القراءة، يحب الرسم حباً جمّاً، مهمل وغبر مرتّب ولا يهتم بملابسه وكتبه وطعامه، وإذا ذهبنا إلى البحر وغالباً ما نفعل \"كان بيتنا قريباً من الشاطئ\" يجلس وحده.. يصنع زورقاً من ورق، يضعه في الماء ويتابع حركته باهتمام. قال لي مرة وكان عمره سبع سنوات: ـ بابا أنا أحب الألمان أكثر من الإنكليز! سألته لماذا ؟ قال: ـ لأن الإنكليز يساعدون اليهود ضدّنا.!من هذا المدخل أصّور حقيقة المناخ الذي عاش فيه غسّان وسط عائلة مثقفة ووطنية ذات وضع متميز اجتماعيا ومادياً سواء من جهة الأب أو الأم، وأقرر كذلك أن غسّان عاش طفولة مستقّرة هادئة وعاديّة وعندما جاءت أحداث 25 نيسان 1948 يوم الهجوم الكبير على عكا، هذا اليوم الذي عاشه غسّان بكل تفاصيله، بأحداثه المأساوية التي جرت أمام عينيه فقد كان بيت جدّي لأمي \"حيث أقمنا بعد رحيلنا من يافا\" ملاصقاً للمستشفى الوطني الذي كان يستقبل كل لحظة الجرحى والقتلى.ذكر والدي في مذكّراته: ـ بتاريخ 26/4/1948 صحونا صباحاً على صوت الرصاص والقذائف التي تطلق باتجاه بيوتنا بكثافة من جهة محطة القطار، فخرج ولدي غازي وأحمد السالم وفاروق غندور وأخي صبحي يحملون بواريدهم ويطلقون الرصاص من بيت الدرج باتجاه اليهود المهاجمين، وخرجت لأستطلع الأمر حيث رأيت بعيني جثة رجل عربي لم أتبين من هو ملقاة في وسط الشارع. وكان ولدي غسّان حول أقاربه يجمع أغلفة الرصاص الفارغة الساخنة في المساء لاحظت بعض الحروق على كفيّه، ورأيت في عينيه نظرة لم أرها من قبل، ارتمى على صدري، لاحظت أنه مقبل على البكاء، فبكينا سويّاً.. في 29 نيسان 1948 خرجنا من عكا، أكثر من ثماني عائلات مع أمتعة بسيطة في صندوق سيارة \"كميون\" متنقّلين بين صيدا والصالحية والميّة وميّة. إلى أن استقر بنا المقام -عند أقرب قرية للعودة منها كما كان يبدو الوضع العام إلى فلسطين- في قرية الغازّية أقصى جنوب لبنان وفي بيت متواضع على قمّة تلّ صغير قدمّه لنا الرجل الطيب \"إبراهيم أبو بيقه\"..ولا أريد أن أستفيض بسرد التفاصيل المأساوية التي عشناها، فقد أتى الكثيرون على ذكرها، وهي لا تختلف بشكل أو بآخر عن الظروف التي عانى منها الشعب الفلسطيني بكامله في تلك المرحلة الصعبة.وقد يكفي أن أقول أن مجرد القدرة على البقاء قيد الحياة كان يعتبر إنجازاً ليس له مثيل..في 8/6/1948 غادرنا (الغازّية) على متن قطار مخصص لنقل الحيوانات، نقلنا مع الآلاف إلى مدينة حمص في طريقه إلى حلب حيث كان المكان هناك معدّاً لاستقبال أفواج اللاجئين . لكّن والدي أصّر على السلطات أن ننزل في حمص لنعود منها إلى دمشق. -ولست أجد الآن تفسيراً لإصراره على هذا الأمر- ثم واصلنا الرحيل إلى قرية (الزبداني) القريبة من دمشق والتي كانت في الأيام الخوالي المصيف المفضّل لأسرتي لقضاء إجازات الصيف.. وفي 20/6/1948 أقمنا في بيت السيد (أبو علي الزين) في الزبداني، وفيها تعلّم أخواي غازي وغسّان صنع أكياس الورق من مخلفّات أكياس الإسمنت بعد لصقها بصمغ الأشجار المحلول بالماء لبيعها بقروش في الأسواق المجاورة، الأمر الذي ساعد إلى جانب خروجنا اليومي للتفتيش عن النباتات الصالحة للأكل في البراري والجبال، وكذلك أصناف الفواكه وأحشاء وأطراف الخراف المذبوحة المقدّمة لنا من السكّان الطيبين، كانت محور الارتكاز لاستمرارنا على قيد الحياة..في 19/10/1948 عدنا إلى دمشق وأقمنا في حي الميدان بيت (إسماعيل آغا المهايني) مع أسرة عمتي التي تعد سبعة أشخاص أيضاً، وفي ذلك الوقت دخل غسّان مدرسة الكلّية العلمية الوطنية وكانت في حي سوق ساروجة وسجل مع طلاّب الصف الأول الإعدادي، ومنذ 8/4/1949 وحتى 22 أيّار 1952 أقمنا في حي الشابكلية أحد أحياء القنوات المتفرعة عن شارع النصر في بيت شعبي صغير وقديم ملك آل الطبّاع..في هذه الفترة بالذات بدت فيها ملامح الاستقرار النسبي للأسرة، بعد أن تمّكن والدي من العمل لفترة قصيرة كمحاسب عند أحد تجّار الخضراوات في سوق الهال ريثما سمح له بممارسة أعمال المحاماة رسمياً، وافتتح مكتباً له في إحدى غرف البيت القريب من دوائر المحاكم. واستطاعت شقيقتي الكبرى فايزة النجاح بإعجاز والحصول على الشهادة الثانوية في زمن قياسي والعمل كمدّرسة في الأرياف ممّا كان يفرض على أحدنا وغالباً غسّان مرافقتها. ومن ثم توسط أحد الأقرباء لتأمين سفرها إلى الكويت للعمل كمدّرسة أيضاً وحصول أخي غازي -الذي يكبر غسّان بثلاث سنوات، ومن المفارقات أنه استشهد بعد استشهاد غسّان بثلاث سنوات 7/4/1975 إثر حادث مأساوي- على عمل في معمل الزجاج.. هذه الفترة حملت فوق تراكمات أحداث الماضي القريب والبعيد البذور التي شكّلت فيما بعد شخصية غسّان..بتاريخ 9/8/1949 كان اليوم الأول الذي يخرج فيه غسّان برفقة شقيقه غازي للعمل (عرضحالجي) كاتب استدعاءات. على آلة كاتبة مستأجرة أمام بناء العابد مجمّع المحاكم سابقاً، والعودة مساءً للعمل أيضاً مع الباقين في طّي ملازم الكتب والصحف والمجلاّت لصالح المطابع القريبة بأجور زهيدة..بتاريخ 25/11/1951 وبينما كان غسّان في رحلة إلى جبل قاسيون مع رفاقه أذكر منهم محمود رمضان وسهيل عيّاش وآخر من آل البرغوثي، سقط وكسرت ساقه اليسرى كسراً مضاعفاً أقعده في البيت أكثر من ثلاثة أشهر كتب خلالها بعض الصور التمثيلية -قدّمت في الإذاعة السورية- فيما بعد، والكثير من القصص القصيرة، ورسم العديد من اللوحات، أهمها ما كان يرسمه على الجبيرة التي تحمل ساقه المكسورة والتي لو قدّر لها أن تعيش لكانت -حسب رأيي- من أروع ما رسُم لطفل في مثل سنّه تلك. وأنشأ بمخيّلاتنا الصغيرة قواعد صور من خلال قصصه وحكاياته المتسلسلة أرست فيما بعد -في تكويني على الأقل- ركائز انتماء والتزام ما زالت تعيش في تفكيري وممارستي وكتاباتي حتى الآن.. ذكر والدي رحمه الله في مذكّراته: ـ بتاريخ 12/2/1950 أرسلت تحريراً إلى وزير خارجية إيطاليا بشأن ميول غسّان. وأنا شخصياً لا أشك بأن المستقبل باسم وزاهر أمام غسّان، خصوصاً في الرسم والخط والأدب العربي سواءً في نطقه أو كتابته أو ارتجاله..في 21/2/1950 انتقل غسّان إلى مدرسة الثانوية الأهلية مديرها المربي سليم اليازجي استعداداً لتقديم فحوص الشهادة الإعدادية (البروفيه)..عودّنا غسّان أن تكون هداياه لنا بالمناسبات \"مولد أحدنا أو الأعياد الدينية والوطنية\" رسائل أو لوحات يرسمها. اقتطف ملخّصاً من رسالة كتبها لأخته \"سهى\" بمناسبة عيد ميلادها الرابع في 21/2/1950 قال فيها: ـ أشرقت في حياتنا العقيمة أملاً بعث فينا حب الاستمرار. نحتفل بعيدك الرابع والوطن خلفنا نقطة بيضاء وسط بركة من الدماء، أشهد أنني جزعت على فلسطين جزعاً تصورت أن الحياة لن تستمر بعده… أسأل الله أن يجعل عيدك الخامس فوق أرض الوطن، وتحت ظلال العروبة..في هذه الفترة أيضاً توطدت العلاقة الحميمة بينه وبين فايزة وغازي على وجه التحديد فقد كان يرى فيهما المثل الأعلى للتضحية والإيثار. وقد كانا كذلك في الحقيقة.!في 22 أيّار 1952 انتقلنا إلى بيت آخر في منطقة الشويكة بستان الحجر ملك السيد علي كلثوم..وبتاريخ 29/9/1953 تقدّم والدي بطلب رسمي لينسب غسّان إلى مدرسة تعليم الملاحة الجوّية. لكن هذا الطلب أهمل فيما بعد..بتاريخ 18/11/1953 باشر غسّان بعد حصوله على الشهادة الإعدادية العمل في مدارس الوكالة كمعلم لمادّة الرسم في معهد فلسطين، الأليانس براتب شهري مقداره 130 ليرة سورية إلى جانب مواصلة دراسته للشهادة الثانوية.. يومها جرى التعارف بينه وبين الأستاذ محمود فلاّحة الذي عرّفه على الدكتور جورج حبش. وأعتقد أن ذلك اليوم كان بداية انتمائه إلى \"حركة القوميين العرب\"..ومع عمله كمعلّم في مدارس الوكالة، عمل أحياناً كمعلم أيضاً في مدرسة دوحة الوطن الخاصّة، وعمل لفترة قصيرة كرسّام في مكتب مجلّة \"الإنشاء لصاحبها نجيب الحفّار\"..في كانون الأول 1954 نال غسّان بنجاح الشهادة الثانوية الفرع الأدبي وسجّل انتسابه إلى الجامعة السورية كليّة الآداب. وارتفع راتبه في الوكالة إلى 150 ليرة شهرياً، وفي 6/3/1955 كتب والدي في مذكّراته:ـ تأكدت اليوم أن غسّان منتسب إلى حركة القوميين العرب ويعمل في جريدة الرأي الناطقة باسمهم ويقضي معظم أوقاته في مكاتبها..اعتصم مع رفاق له في مكاتب جريدة \"الأيام\" السورية من صباح الاثنين 25/4/1955 وحتى مساء الأحد 1/5/1955 مع إضراب عن الطعام، لتحقيق مطالب تتعلق بالمعلمين، كما أنه عمل في جريدة الأيام منذ بداية حزيران 1955 حتى أواسط آب 1955 من الساعة 9 إلى 12 ليلاً براتب 100 ليرة شهرياً. في 12/9/1955 سافر إلى الكويت للعمل كمعلم في مدارس المعارف براتب 721.25 روبّية..يقول والدي باختصار: ـ كانت رسائله لنا رائعة..!بتاريخ 28/9/1956 انتقلنا إلى بيتنا الأخير الذي ساهمنا جميعاً برفع قوائمه حجراً فوق حجر..في 31/5/1959 اكتشفنا أثناء عطلة غسّان الصيفية أنه مريض بالسكّري بسبب الإرهاق والعمل المتواصل وليست الوراثة.. إضافة لإصابته بمرض الروماتيزم..وقد كان يعمل في الوقت نفسه في صحيفة الحرّية ويكتب في صحف ومجلاّت عديدة أهمّها مجّلة الثقافة السورية إضافة لعمله الثابت في جريدة الرأي..في 13/7/1959 سافر مع الدكتور حبش إلى بيروت وكان ما يزال يعمل في الكويت، وفي 29/9/1960 قدّم استقالته من العمل في الكويت.. وسافر مرة أخرى إلى بيروت في 28/10/1960 بهوّية عمانية باسم (هشام فايز) يرتدي الكوفية والعقال ليستقر فيها نهائياً.. كتب والدي في مذكّراته: ـ كنت أتمنى أن يكون غسّان وأخوته المشتتون في أنحاء العالم إلى جانبي نعيش معاً في بيت واحد ساهموا جميعاً في إرساء أساسه، لكنني رغم ذلك أقرأ لغسّان كل يوم وأعرف المقالات التي يكتبها بأسماء مستعارة. أخاف عليه، وأفخر به، أحسّ أنه سيصير ذا شأن عظيم، أحسّ به امتداداً لنا. فقد خلقت فيه المعاناة بشتى صورها وأشكالها والتي عاشها يوماً بيوم الصورة الحقيقية للفلسطيني.. وفقك الله يا غسّان.. يا قطعة غالية من كبدي..وضعت الموساد \"الإسرائيلية\" تحت مقعد سياّرته عبوة ناسفة قدّرت زنتها بـ 9 كيلو غرام من الـ ت،ن،ت شديد الانفجار..!في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم السبت 8 تمّوز 1972 انفجرت العبوة.. واستشهد غسّان كنفاني مع الصبّية لميس.. ابنة أخته الغالية فايزة….أخيراً.. يا أخي وصديقي ومثلي الأعلى والأغلى.. هذه الحقب التي كانت غائبة عن علم من كتبوا عنك وأرّخوا لك ودرسوا مآثرك.. وها أنا ذا أسمعك تردد من جديد:ـ بعد الموت تتبدّل الأشياء، يسافر دم القربى عبر المسافات، يمهّد سبل الخلاص للقادمين..
<$BlogDateHeaderDate$>
ظاهرة "هجرة العقول" أو كما يسميها البعض "نزيف الأدمغة"، ظاهرة تثير الحزن والأسى على الواقع العربي المؤلم. فما أن يتم إعداد شاب عربي نابه في المعاهد والجامعات العربية، ثم يتم الدفع به إلى جامعة عالمية للحصول على درجة علمية، وما أن يتم بعثته العلمية ويثبت كفاءته حتى يتخذ قراره بعدم العودة إلى بلده، وتفضيل البقاء والاستمرار في المجتمع الغربي. وهكذا تضيع علينا فرصة الاستفادة من خيرة أبنائنا، ونقدمهم مجاناً هدية لغيرنا، ونساهم بأنفسنا في توسيع الفجوة العلمية بيننا وبين الغرب. تشير تقارير أصدرتها كل من الجامعة العربية ومؤسسة العمل العربية والأمم المتحدة (عبر تقارير التنمية الإنسانية العربية)، إلى وقائع وأرقام حول هجرة العقول العربية إلى الخارج. تشدد هذه التقارير على كون المجتمعات العربية باتت بيئة طاردة للكفاءات العلمية. تشكل هجرة الكفاءات العربية 31 % مما يصيب الدول النامية، كما أن هناك أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة مهاجرون ويعملون في الدول المتقدمة، بحيث تضم أميركا وأوروبا 450 ألف عربي من حملة الشهادات العليا وفق تقرير مؤسسة العمل العربية. وتؤكد هذه التقارير أن 5.4 % فقط من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج يعودون إلى بلادهم فيما يستقر الآخرون في الخارج.ومن الأرقام الدالة أيضا أن 34 % من الأطباء الأكفاء في بريطانيا ينتمون إلى الجاليات العربية، وأن مصر وحدها قدمت في السنوات الأخيرة 60 % من العلماء العرب والمهندسين إلى الولايات المتحدة، فيما كانت مساهمة كل من العراق ولبنان 15%. وشهد العراق ما بين 1991-1998 هجرة 7350 عالماً تركوا بلادهم بسبب الأحوال السياسية والأمنية ونتيجة الحصار الدولي الذي كان مفروضاً على العراق آنذاك. وتشير هذه التقارير إلى عمل قسم واسع من العقول العربية في اختصاصات حساسة في بلاد الغرب: مثل الجراحات الدقيقة، الطب النووي، الهندسة الالكترونية والميكرو الكترونية، والهندسة النووية وعلوم الليزر، وعلوم الفضاء وغيرها من الاختصاصات عالية التقنية.
خسارة فادحة لاقتصادنا ويقول الدكتور علي حبيش رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجي في مصر إن عدد المصريين المهاجرين للخارج بلغوا 3 ملايين و418 ألفاً، وأن ذلك يمثل خسارة فادحة للاقتصاد، وأن 450 ألفاً من بين هؤلاء من حملة المؤهلات العلمية العالية كالماجستير والدكتوراه، حيث استقر معظم هؤلاء في البلاد المتقدمة: الولايات المتحدة، وإنكلترا، وكندا، وأستراليا، رغم ما تتحمله الدولة من نفقات لبناء هذه المؤهلات قد تصل إلى 100 ألف دولار على الفرد، وهكذا فإن فمصر وحدها 50 مليار دولار بسبب هجرة كفاءاته.وتشير دراسة أعدتها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة إلى وجود 4102 عالم إسلامي في مختلف علوم المعرفة في مؤسسات ومراكز أبحاث غربية. ويؤكد تقرير أمريكي أن الأطباء والجراحين القادمين من الدول النامية خلال النصف الأول من السبعينيات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، يمثلون 50%، والمهندسين 26%، وأن ثلاثاً من دول الشمال هي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، تستأثر ب75% من جملة التدفق في الكفاءات المهاجرة.
8% من القوة العاملة العربية هاجرت وأظهر تقرير حديث للجامعة العربية أن الدول العربية تنفق دولاراً واحداً على الفرد في مجال البحث العلمي، بينما تنفق الولايات المتحدة 700 دولار لكل مواطن، والدول الأوربية حوالي 600 دولار، وأن كل مليون عربي يقابلهم 318 باحثاً علمياً، بينما النسبة تصل في العالم الغربي إلى 4500 باحث لكل مليون شخص. ويكشف التقرير أن 8% من مجموع القوة العاملة العربية هاجرت، وأن 20% من مجموع الأطباء هم الآن خارج المنطقة، وأن 25% من المهندسين يعملون في بلدان أجنبية، وأن 15% من خريجي الأقسام العلمية استسلموا للهجرة الدائمة، وأن 30% من الطلاب بقوا حيث هم، وأن 27 ألف عربي يحملون درجة الدكتوراه غادروا بلدانهم إلى أوربا وأمريكا عام 1980، وأن هذا الرقم وصل إلى 32 ألف عام 2000. ويذكر تقرير رسمي حول العمالة العربية المهاجرة أعدته مؤسسة العمل العربية وجرى توزيعه على وزراء العمل العرب، أن عدد حملة الشهادات العليا فقط من العرب المهاجرين إلى أمريكا وأوروبا يبلغ 450 ألف عربي. ما يعني أن الولايات المتحدة ودول غربي أوروبا توفر مليارات الدولارات نتيجة لهجرة العقول والمهارات إليها. إذ لم تتعب هذه الدول لتنشئة وتدريب هذه العقول ولم تتكلف عليها، فيما تحمل الوطن العربي كلفة تنشئتها وتدريبها. وهكذا يذهب إنتاج هذه العقول الجاهزة ليصب مباشرة في إثراء البلدان المتقدمة ودفع مسيرة التقدم والتنمية فيها في ما يخسر الوطن العربي ما أنفقه ويخسر فرص النهوض التنموي والاقتصادي التي كان يمكن أن تسهم هذه العقول في إيجادها. مع الإشارة إلى أن عددا من الدول العربية كالكويت والعراق وليبيا وضعت برامج وخططا وافتتحت مراكز للبحث العلمي لتشجيع العقول العربية المهاجرة على العودة إلا أنها لم تنجح إلا باستقطاب القليل من الخبرات نظرا لعدم شمولية المعالجة وعدم النجاح في إيجاد بيئة علمية مستقرة. بل إن بعض المصادر تشير إلى أن بلدا كالعراق هاجر منه 7350 عالما في مختلف المجالات ما بين عامي 1991 و 1998 نتيجة الأوضاع التي كانت سائدة في العراق وظروف الحصار الدولي التي طالت الجوانب العلمية.
أسباب هجرة الكفاءات تتعدد الأسباب التي تدفع الأدمغة العربية إلى الهجرة، فمنها ما يتصل بعوامل داخلية، ومنها ما يعود لأسباب موضوعية تتعلق بالثورة التكنولوجية والتقدم العلمي الذي لا يزال الغرب حقله الفعلي. في العوامل الداخلية، يتصدر عدم توافر فرص العمل المتاحة للتخصص الذي تم تحصيله. ولا تبدو الدول العربية معنية بالإفادة من الاختصاصات العلمية وتأمين مجالات عمل لأصحابها، فيجد الخريجون أنفسهم ضحايا البطالة، مما يضطرهم إلى تأمين لقمة عيشهم في أعمال لا تتناسب ومستوى تحصيلهم العلمي. ويتولد عن هذا الوضع شعور واسع بالإحباط واليأس لدى هذه الكفاءات، ويصبح لقرار الهجرة مسوغاته الذاتية والموضوعية. تصيب كثيرون من الذين يصرون على البقاء في بلادهم مرارة عندما يلمسون مدى إهمال الدولة ومؤسساتها وكذلك القطاع الخاص، لمؤهلاتهم العلمية وضرورة الإفادة منها، أو عندما يرون كيف تتم الاستعانة بخبراء أجانب لقضايا تتوافر فيها الكفاءات اللازمة محلياً. ويزيد ضعف وجود مراكز البحث العلمي من الأزمة حيث يستحيل الإفادة من الأبحاث العلمية وتوظيفها في خدمة المجتمع، فتتحول الاختصاصات العلمية التطبيقية إلى اختصاصات نظرية، تنعكس على العالم والباحث، تراجعاً في مستواه العلمي أو في إمكان تطوير قدراته المعرفية. ويتصل هذا الموضوع مباشرة بعدم وصول المجتمع العربي إلى مرحلة يرتبط فيها النشاط العلمي والتكنولوجي بحاجات المجتمع.
مسئولية الواقع السياسي العربي يشكل الواقع السياسي عنصراً مهماً من عناصر هجرة الأدمغة إلى الخارج، حيث تعاني غالبية البلدان العربية من اضطرابات سياسية وحروب أهلية تطال أهل العلم والمعرفة. ويتسبب عدم الاستقرار السياسي في نزيف أهل العلم والفكر المحتاج إلى استقرار يمكنه من الإنتاج. وقد نجمت عن حالة الاضطراب خلال العقود الأخيرة موجات هائلة من نزوح الأدمغة خاصة في بلدان مثل مصر والعراق والجزائر ولبنان، وهو نزيف يتجه إلى التصاعد بالنظر إلى تواصل هذا الاضطراب السياسي. يضاف إلى ذلك واقع حرية الرأي والتعبير التي تعاني تقييداً وقمعاً، وهي أمور ذات أهمية كبيرة يحتاج فيها الباحث إلى الحرية في البحث والتحقيق وتعيين المعطيات وإصدار النتائج. ولا يزال العالم العربي يتعامل مع الأرقام بصفتها معطيات سياسية ذات حساسية على موقع السلطة، وتشير تقارير عربية إلى تدخل السلطة السياسية في أكثر من ميدان لمنع إصدار نتائج أبحاث أو دراسات، تكون الدولة تكبدت مبالغ لانجازها، وذلك خوفاً من أن تؤثر نتائج الدراسات في الوضع السياسي السائد. وإلى جانب هذه العوامل الداخلية، يشكل التطور العلمي والتكنولوجي وثورة الاتصالات التي تشهدها البلدان المتقدمة عنصراً جاذباً لأصحاب الاختصاصات في التكنولوجيا العالية، حيث تقدم المجتمعات الغربية، بخاصة مراكز أبحاثها، إغراءات مادية وحياتية لعلماء كثيرين برعوا في هذه المجالات، أو لأصحاب طموح وجدارة في تحصيل علمي متقدم في علوم يستحيل وجود مثيلها في بلده الأم. وهو ما يعني استحالة عودة هذه الكفاءات لاحقاً إلى موطنها بعد تخرجها لمعرفتها وإدراكها صعوبة الإفادة مما حصلته من هذه العلوم.
200 بليون دولار خسائر عربية من هجرة العقول ويترتب على هجرة الأدمغة خسائر صافية تنال من مقدرات المجتمعات العربية. ويشير أحد تقارير منظمة العمل العربية إلى أن الدول العربية تتكبد خسائر سنوية لا تقل عن 200 بليون دولار بسبب هجرة العقول إلى الخارج، وتقـــــترن هذه الأرقام بخسائر كبيرة نجمت عن تأهيل هذه العقول ودفع كلفة تعليمها داخل أوطانها، مما يؤكد أن الــــدول العربية، ومعها ســــائر الدول النامية تقدم مساعدات إلى البلدان المـــــتقدمة عبر تأهيـــــلها لهذه الكفاءات ثم تصديرها إلى هذه البلدان المتقدمة لتفيد من خبراتها العلمية، وهو أمر يوجب على هذه الدول تعويضاً إلزاميا للدول النامية. المجال الثاني الذي يتأثر بهجرة العقول إلى الخارج هو مجال "إنتاج المعرفة" بجوانبه المتعددة، إذ تسببت هذه الهجرة ولا تزال في تخلف حقول المعرفة في العالم العربي وفي إضعاف الفكر العلمي والعقلاني وعجزه عن مجاراة الإنتاج العلمي العالمي في أي ميدان من الميادين. لكن الخسارة الكبرى تتبدى في الأثر السلبي الذي تتركه هذه الهجرة على مستوى التقدم والتطور المطلوب في المجتمعات العربية في الميادين العلمية والفكرية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية، وهو أثر يؤثر سلبياً على مشاريع التنمية والإصلاحات، مما يزيد التخلف السائد أصلاً في هذه المجتمعات، وذلك بعدما بات مقياس التقدم متصلاً اتصالاً وثيقاً بمدى تقدم المعرفة وإنتاجها. وتنسحب الخسائر أيضاً على الميدان السياسي وعلى الصراع ضد إسرائيل أو الهيمنة الغربية. فلم يعد خافياً أن جزءً أساسياً من هذه المعركة يدور في الميدان العلمي والحضاري والثقافي، وأن أحد عوامل النصر بات مرتبطاً بدخول العرب إلى العصر ومواكبة الثورة العلمية.
إيجابيات هجرة العلماء العرب للغرب لكن بعض الخبراء يرون أن ظاهرة الهجرة السياسية من بلاد المشرق والمغرب وفّرت كفاءات متمرسة في العمل النضالي الاجتماعي والنقابي والسياسي في البلاد المضيفة، مع الإشارة إلى التحوّل الأيديولوجي الذي شهدته هذه العقول من التيار العلماني اليساري والقومي إلى التيار الإسلامي، خاصة في الثمانينيات والتسعينيات، بعد الحملة على الإسلاميين في بلاد مغاربية ومشرقية. ومن فوائد الهجرة السياسية أيضاً نموّ فكرة العمل "الجبهوي"، أي في إطار جبهة واحدة، بين التيارات العلمانية والإسلامية، التي كانت تعيش في أجواء الصراع بل الصدام أحياناً في البلاد العربية والإسلامية. وبوجودها وتلاقيها في أجواء جديدة من الحريات، اضطرت إلى إيجاد أقدار من العمل السياسي والحقوقي المشترك بينها حول معارضة كل أشكال الاستبداد في بلادها، والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان. ومن الانعكاسات الإيجابية على التيارات الإسلامية المهاجرة، قيامها بعملية نقد ذاتي ومراجعة مسارها الفكري والسياسي، بما يؤهلها لدور حضاري لا تستفيد منه الجاليات المسلمة فحسب، بل تتعداه إلى المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الغربية والبشرية جمعاء. فكما هو معلوم، فإنّ هذه التيارات صحبت معها تجاربها في العمل والنضال من زوايا فكرية وعملية مختلفة، رغم الاتفاق العام حول المرجعية الدينية الإسلامية. وسُجلت خلافات بين العاملين في الحقل الإسلامي بقيت آثارها إلى اليوم، والتي تُلمس في الحساسيات القائمة بين المؤسسات الإسلامية التي يشرف عليها قدماء النشطين الإسلاميين. ولكن بعد تلاقح التجربتين المغاربية والمشرقية في بلاد الغرب، وتحت ضغط التحوّلات في تركيبة الجاليات المسلمة وتطور اهتماماتها من الحفاظ على الهوية إلى المواطنة، حصلت الكثير من المراجعات وعمليات التقييم أو التقويم الداخلي على المستوى الفكري والسياسي نحو مزيد من الواقعية في التعامل مع الواقع المحلّي والعالمي.ومن أهمّ القضايا التي حصل حولها حوار ونقاش مسألة التغيير وأساليبه ومقتضياته. وبناء عليه، تمّ السعي إلى التقريب بين مختلف الحساسيات، ومحاولة تجاوز العقلية الحزبية التي كانت مسيطرة لسنوات عدّة. وانطلقت الجهود نحو تجميع الكفاءات السياسية والعلمية المهاجرة من أجل البناء المستقبلي والنهوض الحضاري، وترسّخت القناعة أنّ مستقبل الحضور الإسلامي في الغرب مرتبط بدور الكفاءات الإسلامية المهاجرة، تضاف إليها طاقات جديدة.
المكاسب والخسائر من هجرة الأدمغة ويرى خبراء آخرون أن ظاهرة هجرة الكفاءات ذات تأثير بالغ على كلّ من طرفي البلاد، المهاجر منها والمهاجر إليها، على حدّ سواء، إلاّ أنّه تأثير يختلف في طبيعته بعض الاختلاف بين الطرفين. أمّا بالنسبة إلى البلاد المهاجر إليها، فإنّ هذه العقول المهاجرة تعتبر رصيداً إضافياً في مجال الريادة العلمية والفكرية، تساهم إسهاماً فاعلاً في التقدّم الصناعي والتكنولوجي، وتسرّع من حركة التنمية الشاملة فيها، وهو أمر مشهود به من قبل أهل تلك البلاد أنفسهم، كما يدلّ عليه حصول بعض العلماء المسلمين المهاجرين على جائزة نوبل، وهي الشهادة العالمية العليا على الريادة والعطاء في المناشط العلمية على اختلافها. وأمّا بالنسبة إلى البلاد المهاجر منها، فإنّ تأثير هجرة العقول يبدو في طرفه القريب تأثيراً سلبياً عليها، إذ هجرة العقول منها يعتبر نقصاناً من رصيدها الذي به تتحرّك نحو نهضتها، وذلك بما ينقص بتلك الهجرة من إمكانيات الابتكارات والكشوف العلمية والفكرية التي من شأنها أن تطوّر الحياة وتنمّيها، وإن كان بعض الباحثين يشكّك في أن يكون لتلك العقول المهاجرة تأثير إيجابي في البلاد التي هاجرت منها فيما لو بقيت فيها، إذ هي حينئذ سيكون مآلها الانكماش والتعطل كالعقول التي لم تهاجر، وذلك بحسبان أنّ المناخ العامّ في تلك البلاد غير مساعد على الانطلاق في سبيل الريادة والابتكار والعطاء، وهو ما كان أحد أسباب هجرتها إلى بلاد يتوفّر فيها ذلك المناخ. ولكن قد نظفر بنتائج أخرى لظاهرة هجرة العقول الإسلامية مخالفة للنتائج السابقة لو وسّعنا زاوية النظر إليها، بحيث تتجاوز في التقدير حدود الربح والخسارة، بميزان التنمية المادّية، لتمتدّ إلى مساحات تشمل مستقبل الدعوة الإسلامية فيما يمكن أن يكون لها من انتشار بتلك الهجرة في ديار الغرب من شأنه أن يثمر من النتائج ما يعود بنفع حضاري عامّ، مادّي ومعنوي، لكلّ من طرفي الهجرة، المهاجر منه والمهاجر إليه، على حدّ سواء، ونحن نعني هنا البعد الرسالي في هجرة العقول الإسلامية إلى بلاد الغرب. إنّ العقول الإسلامية المهاجرة إلى الغرب هي من صميم الأمّة فيما ترسّب في مخزونها الثقافي من بعد رسالي ظلّ ثابتاً فيه مهما أتت عليه من أحوال النشاط والخفوت، بل إنّ هذه العقول بما هي من صفوة الأمّة في قدراتها العقلية وفي درجاتها العلمية وفي مستوياتها الفكرية لعلّ ذلك البعد الرسالي المترسّب في ثقافتها يكون أقوى عندها منه عند غيرها من سائر أفراد الأمّة وجماعاتها، وهي قوّة ربّما ظهرت عند بعضهم في حال نشاط فاعل، وربّما كانت عند بعضهم الآخر في حال كمون، لكنّها لا تلبث عند الأكثرين منهم أن تنهض إلى حال النشاط إذا توفّرت لها العوامل المناسبة.
فاروق الباز يقد خبرته يقول الدكتور فاروق الباز، وهو من كبار العقول العربية التي هاجرت من مصر منذ ستينات القرن الماضي، والذي يشغل حاليا منصب مدير مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن بعدما عمل لسنوات طويلة مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" في مشاريع استكشاف القمر والفضاء، يقول: إن لكل عالم وخبير عربي أسبابه الخاصة التي دفعته إلى الهجرة. وهذه تضاف إلى الأسباب العامة المشتركة في الوطن العربي حيث لا احترام للعلم والعلماء ولا تتوفر البيئة المناسبة للبحث العلمي والإبداع. وبالتالي فمن الطبيعي أن يبحث العالم العربي وطالب المعرفة عن المكان الذي تتواجد فيه شعلة الحضارة. إذ عندما كان العالم العربي يحمل شعلة الحضارة قبل مئات السنين كان يأتيه المفكرون والخبرات والعقول من كل حدب وصوب، وبما أن شعلة الحضارة انتقلت إلى الغرب فمن الطبيعي أن يهاجر الخبراء والعلماء إلى المراكز التي تحتضن هذه الشعلة.
18 مليار دولار سنويا من المسلمين لأمريكا مقابل أرقام الهجرة المذكورة من الوطن العربي تشير الإحصائيات إلى أن المهاجرين الروس الذين استقدمتهم إسرائيل إثر تفكك الاتحاد السوفيتي كان من بينهم عشرة آلاف مهندس جاهزون للانخراط في سوق العمل فضلا عن آلاف الأطباء والعلماء من مختلف الاختصاصات. أما الولايات المتحدة فلديها إجراءات خاصة لاستقطاب الكفاءات تربط فيها بين التسهيلات التي تقدمها لهم وبين حاجة الشركات الأمريكية الكبرى من الاختصاصات والخبرات. ولهذه الغاية أصدر الكونغرس الأمريكي في العام 1990 تشريعا خاصا لمساعدة الشركات الأمريكية على استيراد خبراء تكنولوجيا المعلومات وغيرهم من حملة الشهادات العليا. وعلى الرغم من ذلك فقد تقدم مؤخرا القائمون على منطقة وادي السيليكون المتخصصة في الصناعات الالكترونية إلى الكونغرس بطلب توسيع برنامج منح الهجرة للعمال المهرة ليستقروا في الولايات المتحدة. هذا الواقع يجعل الكثيرين يطلقون على الولايات المتحدة الأمريكية إمبراطورية العقول المستوردة والتي لم يقتصر استيرادها على دول العالم الثالث بل إن عددا من الدول الأوروبية وكندا واستراليا يعانون أيضا من هجرة العقول باتجاه الشركات والجامعات الأمريكية ومعاهدها ومراكز الأبحاث المختلفة. والأخطر من كل هذه الأرقام النتيجة التي أبرزها ريفين برينر الأستاذ في دراسات الأعمال في جامعة ماكجيل الكندية والتي ذكرها في كتابه "القرن المالي" إذ يقول: (في ظل اقتصاد العولمة سيذهب البشر والأموال إلى حيث يمكنهم أن يكونوا مفيدين ومربحين. ففي كل عام يغادر ما يقدر عددهم بنحو 1,8 مليون من المتعلمين ذوي المهارات والخبرات من العالم الإسلامي إلى الغرب. وإذا افترضنا أن تعليم أحد هؤلاء المهاجرين يكلف في المتوسط عشرة آلاف دولار، فإن ذلك يعني تحويل 18 مليار دولار من الأقطار الإسلامية إلى الولايات المتحدة وأوروبا كل عام). وإذا راكمنا هذا المبلغ نظريا على مدى عدة سنوات يصبح مفهوما أكثر لماذا تزداد الأقطار الغنية غنى والفقيرة فقرا